إذا أردت أن تنظر إلى العِلم يكسوه إهابٌ من عَمَل، وإلى القول يتحول إلى جدٍّ وفعل، وإلى الحرف يغدو قصيدة من شعر، و إلى البيان يحول سحراً على اللسان، فانظر إلى شيخنا العلامة محمد صالح الفرفور رحمه الله وأعلى في الجنان مقامه.
وأرك تفعل ما تقول و بعضهم
مَذِق الحديث يقولُ ما لا يفعلُ
ذاك الشيخ الجليل الذي بنى للعلم دولة، وأسس للخلق والتربية أمّة، وشيد للأدب والشعر مدرسة، ونفث في الأمة روح الدعوة، وربّى أجيالاً من طلاب العلم أصبحوا منارات يهتدى بها، و علامات يعّول عليها، وجَذَوات يقبس منها.
فكان بحق مثلاً حياً لكل من عاهد فوفى، وعمل فعمل، وجاهد فصدق.
ولعله والله حسيبه من النخبة الخيّرة التي وصفها جل وعلا بقوله في محكم كتابه:
{من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر و مابدّلوا تبديلاً}.
عاش ما عاش للعلم، وطلب العلم، ونشر العلم,و بناء صروح العلم، حتى استبدَّ العلم بكل اهتماماته، و غلب على جميع أمره، فما تكاد تراه إلا في مجلس علم حتى لو كان في بيته وبين ذويه و أهليه.
تفجّر العلم من عليا شمائله
كما يسُحُّ بوسط الروض سلسالُ
ما أعلم رجلاً من رجالات الأمة فيما أدركت من زمن أخذ أهله بالعلم أخذاً حازماً لا يلين كما أخذ الشيخ صالح أهله وبيته، بل حتى بناته، لم يغادر منهم أحداً إلا صنعَه على عينه عالماً متضلعاً من علوم الشرع والأدب و العربية، وخطيباً مصقعاً لا تخبو له كلمة، ولا تلين له قناة، ومربياً داعيةً لا تأخذه في الله لومة لائم, بدءاً بأكبرهم أستاذنا وشيخنا الشيخ الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور ثم شيخنا الشيخ الدكتور حسام الفرفور، ومروراً بالشيخ الدكتور ولي الدين الفرفور والدكتور عبد الرحمن والدكتور نصر والدكتور عبد الله, وانتهاءً بأخينا الشيخ شهاب الدين الفرفور، دع عنك البنات الداعيات فاطمة ولطفية.
لقد كان حقاً من خير الناس لأهله، مؤتسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». وإذا لم تكن الخيرية بالعلم الذي رفع المولى سبحانه أصحابه فبم تكون؟!
ومن أولى الناس بالانتفاع بالعالم؟!
أليسوا أهله وذويه:
ومن ذا الذي ترجو الأباعد نفعَهُ
إذا هو لم تصلُحْ عليه الأقاربُ
نشَّأهم جميعا على حب العلم، وطلب العلم، ومصاحبة أهل العلم. فترى الواحد منهم لا هم له إلا العلم، فهو كلِِفٌ به، بل نهمٌ له، مغرمٌ فيه، لا يتغنى إلا به، ولا يتفاخر إلا بتحصيله، ولا يزهو إلا بمقدار ما اجتمع له منه.
وقد أخذوا عن والدهم خَلَّة لم تخطئ واحداً منهم، ألا وهي الثقة المطلقة بالله سبحانه ثم بما حصّلوا من علم، فهم لا يرون لأحد سبقاً عليهم في أي شأن من شؤون الحياة، لأن ماعندهم أغلى و أثمن، وأعلى و أبقى، و أعزُّ وأسمى. إنه العلم الذي قال في حقه الحسن البصري:(( لا إله إلا الله، كادت العلماء أن تكون أرباباً، كل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل يؤول)) [العقد الفريد 1/291]
وكأني بهم المثل الحي لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:» من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقّر ما عظمه الله». [رواه النووي في آداب حملة القرآن]
أما ما صنعه الشيخ بتلامذته وبمن حوله فأمر عجب، حول فيه الرمم إلى قمم، والجبناء إلى شجعان، والجهال إلى علماء، فتخرج به أفذاذ العلماء والخطباء والدعاة والمربين، وصاروا من بعده ملء العين والبصر والسمع والأذن، وعلى رأسهم شيخنا ريحانة الشام العلامة المقرئ عبد الرزاق الحلبي أمتع الله به، والشيخ رمزي البزم رحمه الله، والشيخ العلامة النظّار أديب الكلاس حفظه الله، والشيخ إبراهيم اليعقوبي رحمه الله، ومحدث الشام الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله، والشيخ العلامة المحدث المحقق شعيب الأرناؤوط حفظه الله، والشيخ أحمد رمضان حفظه الله، والشيخ عبد الفتاح البزم حفظه الله. ناهيك عن أولاده الذين سبق ذكرهم.
على أن همة الشيخ لم تتوقف عند طلابه المقربين و أحبابه المنتجبين الذين كان يخصهم بأكثر من عشرة دروس في اليوم الواحد، ولا ينقطع درسه لا في عطلة ولا في عيد، بل إن من طريف ما أثر عنه أنه لم يتغيب عن درسه حتى في فجر عرسه!
وقد حدثني شيخنا الشيخ شعيب-وكان من خُلّص أصحابه لزمه نحواً من خمسة عشر عاماً وأخذ عنه من العلوم والآداب والفنون مالا يحصيه إلا المتخصصون فيها-أن الشيخ صالحاً كان إلى كل خصاله الحميدة وعلومه المستفيضة يمتاز بمزيتين رفيعتين هما الكرم والشجاعة. ولم يقتصر نفعه وفضله على هؤلاء المقربين، وإنما امتدَّ ليشمل طلبة العلم من كل أصقاع الدنيا، وذلك حين أسس معهد الفتح الإسلامي الذي أصبح مهوى الأفئدة وملاذ طلاب العلم يجدون فيه كل ما يحتاجون إليه من علم وسكن وطعام وتربية، وقد عم نفعه وشاع أمره حتى جاوز عدد جنسيات الدارسين فيه المئة يدرسون فيه جميع العلوم الشرعية من قرآن وتجويد وتفسير وحديث ومصطلح وأصول وتوحيد وفرائض وغيرها، كما يدرسون فيه العلوم العربية بأنواعها كالنحو والصرف والبلاغة والأدب والعروض والخطابة، بل إن مايدرسونه من بعض علوم العربية يفوق مايدرسه المتخصصون في أقسام اللغة العربية، وقد بلوت ذلك بنفسي؛ إذ درَّست بعض علوم العربية في جامعة دمشق وفي معهد الفتح وقسم التخصص فيه، فوجدت البون شاسعا ًفي المادة العلمية المقررة، وفي تلقّي الطلبة لها، ومقدرتهم على فهمها، وحسن استجابتهم لكثير مما يُطرح عليهم فيها. ويكفي أن أذكر أن ثمة كتابين جليلين في علوم العربية يدَّرسان في معهد الفتح، لا يعرفهما كثير من خريجي أقسام اللغة العربية في جامعاتنا، بَـلْـهَ أن يدرسوهما، وهما دلائل الإعجاز للجرجاني والاقتراح في أصول النحو للسيوطي.
وأرك تفعل ما تقول و بعضهم
مَذِق الحديث يقولُ ما لا يفعلُ
ذاك الشيخ الجليل الذي بنى للعلم دولة، وأسس للخلق والتربية أمّة، وشيد للأدب والشعر مدرسة، ونفث في الأمة روح الدعوة، وربّى أجيالاً من طلاب العلم أصبحوا منارات يهتدى بها، و علامات يعّول عليها، وجَذَوات يقبس منها.
فكان بحق مثلاً حياً لكل من عاهد فوفى، وعمل فعمل، وجاهد فصدق.
ولعله والله حسيبه من النخبة الخيّرة التي وصفها جل وعلا بقوله في محكم كتابه:
{من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر و مابدّلوا تبديلاً}.
عاش ما عاش للعلم، وطلب العلم، ونشر العلم,و بناء صروح العلم، حتى استبدَّ العلم بكل اهتماماته، و غلب على جميع أمره، فما تكاد تراه إلا في مجلس علم حتى لو كان في بيته وبين ذويه و أهليه.
تفجّر العلم من عليا شمائله
كما يسُحُّ بوسط الروض سلسالُ
ما أعلم رجلاً من رجالات الأمة فيما أدركت من زمن أخذ أهله بالعلم أخذاً حازماً لا يلين كما أخذ الشيخ صالح أهله وبيته، بل حتى بناته، لم يغادر منهم أحداً إلا صنعَه على عينه عالماً متضلعاً من علوم الشرع والأدب و العربية، وخطيباً مصقعاً لا تخبو له كلمة، ولا تلين له قناة، ومربياً داعيةً لا تأخذه في الله لومة لائم, بدءاً بأكبرهم أستاذنا وشيخنا الشيخ الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور ثم شيخنا الشيخ الدكتور حسام الفرفور، ومروراً بالشيخ الدكتور ولي الدين الفرفور والدكتور عبد الرحمن والدكتور نصر والدكتور عبد الله, وانتهاءً بأخينا الشيخ شهاب الدين الفرفور، دع عنك البنات الداعيات فاطمة ولطفية.
لقد كان حقاً من خير الناس لأهله، مؤتسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». وإذا لم تكن الخيرية بالعلم الذي رفع المولى سبحانه أصحابه فبم تكون؟!
ومن أولى الناس بالانتفاع بالعالم؟!
أليسوا أهله وذويه:
ومن ذا الذي ترجو الأباعد نفعَهُ
إذا هو لم تصلُحْ عليه الأقاربُ
نشَّأهم جميعا على حب العلم، وطلب العلم، ومصاحبة أهل العلم. فترى الواحد منهم لا هم له إلا العلم، فهو كلِِفٌ به، بل نهمٌ له، مغرمٌ فيه، لا يتغنى إلا به، ولا يتفاخر إلا بتحصيله، ولا يزهو إلا بمقدار ما اجتمع له منه.
وقد أخذوا عن والدهم خَلَّة لم تخطئ واحداً منهم، ألا وهي الثقة المطلقة بالله سبحانه ثم بما حصّلوا من علم، فهم لا يرون لأحد سبقاً عليهم في أي شأن من شؤون الحياة، لأن ماعندهم أغلى و أثمن، وأعلى و أبقى، و أعزُّ وأسمى. إنه العلم الذي قال في حقه الحسن البصري:(( لا إله إلا الله، كادت العلماء أن تكون أرباباً، كل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل يؤول)) [العقد الفريد 1/291]
وكأني بهم المثل الحي لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:» من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقّر ما عظمه الله». [رواه النووي في آداب حملة القرآن]
أما ما صنعه الشيخ بتلامذته وبمن حوله فأمر عجب، حول فيه الرمم إلى قمم، والجبناء إلى شجعان، والجهال إلى علماء، فتخرج به أفذاذ العلماء والخطباء والدعاة والمربين، وصاروا من بعده ملء العين والبصر والسمع والأذن، وعلى رأسهم شيخنا ريحانة الشام العلامة المقرئ عبد الرزاق الحلبي أمتع الله به، والشيخ رمزي البزم رحمه الله، والشيخ العلامة النظّار أديب الكلاس حفظه الله، والشيخ إبراهيم اليعقوبي رحمه الله، ومحدث الشام الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله، والشيخ العلامة المحدث المحقق شعيب الأرناؤوط حفظه الله، والشيخ أحمد رمضان حفظه الله، والشيخ عبد الفتاح البزم حفظه الله. ناهيك عن أولاده الذين سبق ذكرهم.
على أن همة الشيخ لم تتوقف عند طلابه المقربين و أحبابه المنتجبين الذين كان يخصهم بأكثر من عشرة دروس في اليوم الواحد، ولا ينقطع درسه لا في عطلة ولا في عيد، بل إن من طريف ما أثر عنه أنه لم يتغيب عن درسه حتى في فجر عرسه!
وقد حدثني شيخنا الشيخ شعيب-وكان من خُلّص أصحابه لزمه نحواً من خمسة عشر عاماً وأخذ عنه من العلوم والآداب والفنون مالا يحصيه إلا المتخصصون فيها-أن الشيخ صالحاً كان إلى كل خصاله الحميدة وعلومه المستفيضة يمتاز بمزيتين رفيعتين هما الكرم والشجاعة. ولم يقتصر نفعه وفضله على هؤلاء المقربين، وإنما امتدَّ ليشمل طلبة العلم من كل أصقاع الدنيا، وذلك حين أسس معهد الفتح الإسلامي الذي أصبح مهوى الأفئدة وملاذ طلاب العلم يجدون فيه كل ما يحتاجون إليه من علم وسكن وطعام وتربية، وقد عم نفعه وشاع أمره حتى جاوز عدد جنسيات الدارسين فيه المئة يدرسون فيه جميع العلوم الشرعية من قرآن وتجويد وتفسير وحديث ومصطلح وأصول وتوحيد وفرائض وغيرها، كما يدرسون فيه العلوم العربية بأنواعها كالنحو والصرف والبلاغة والأدب والعروض والخطابة، بل إن مايدرسونه من بعض علوم العربية يفوق مايدرسه المتخصصون في أقسام اللغة العربية، وقد بلوت ذلك بنفسي؛ إذ درَّست بعض علوم العربية في جامعة دمشق وفي معهد الفتح وقسم التخصص فيه، فوجدت البون شاسعا ًفي المادة العلمية المقررة، وفي تلقّي الطلبة لها، ومقدرتهم على فهمها، وحسن استجابتهم لكثير مما يُطرح عليهم فيها. ويكفي أن أذكر أن ثمة كتابين جليلين في علوم العربية يدَّرسان في معهد الفتح، لا يعرفهما كثير من خريجي أقسام اللغة العربية في جامعاتنا، بَـلْـهَ أن يدرسوهما، وهما دلائل الإعجاز للجرجاني والاقتراح في أصول النحو للسيوطي.
*رئيس مقررات اللغة العربية في الجامعة العربية المفتوحة
Tidak ada komentar:
Posting Komentar